روايات شيقه

رواية سر غائب الفصل 38


ربما لم يستمع لنصف ما تفوهت به فهو لا يعلم لماذا يحدق بها هكذا؟ كأنه يراها أول مرة بحياته حتى هى ضمت حاجبيها بغرابة من حملقته بها

فأردفت برنة صوت هادئة:
–مالك يا أستاذ شهاب فى حاجة حضرتك بتبوصلى كده ليه فى حاجة غلط

حمحم شهاب يشعر برعونة تصرفه فحاول أن يصرف عنه ما اعتراه منذ رؤيتها اليوم:
–لا أبدا بس سرحت شوية بس الفستان طبعا هدفع تمنه ومش هقبل جدال بخصوص الموضوع ده والا خلاص مش هاخده

أمام إلحاحه بدفع ثمن الثوب اخذت منه المال بعد أن وصلا لحل وسط وهو أن يأخذ الثوب بعد خصم جزء من المبلغ النهائى أخرج من جيبه ورقة صغيرة كتب عليها معيادة رقيقة لشقيقته وأوصاها بإرسالها مع الثوب ثم ذهب مغادراً ،حملت ضحى الورقة بيدها وهى تتذكر تلك المرة الأولى التى رأته بها عندما سكبت محتوى كوبها على قميصه بحفل عيد ميلاد ثراء فوجدت نفسها تتذكر ملامح الغضب التى كست وجهه فى تلك اللحظة فابتسمت وذهبت لإعداد الأثواب التى سترسلها لمنزل جمال الرافعى أحدهما لثراء والآخر لميرا
________
أغلق أيسر أزرار قميصه تاركاً إياه مفتوحاً من أسفل عنقه فهو لايرغب اليوم بارتداء رابطة العنق فارتدى سترته ووضع عطره ،أخذ فرشاة الشعر يمشط خصلاته الكثيفة بعد أن أنتهى مما يفعل ظل يحدق بنفسه فى المرآة عدة دقائق وهو يفكر هل ستأتى ثراء لحفل العشاء أم أنها سترفض؟ ولكن فكر أنه لابد من حضورها فخرج من المنزل وأخذ سيارته ينطلق بها سريعاً وصل إلى المطعم الذي سيتم به عقد الصفقة وجد صافى بانتظاره

أقتربت منه قائلة:
–كويس أنك جيت الناس على وصول ولسه شركاءك مجوش ومكنتش هلاقى حد يستقبلهم

جلس أيسر على أحد المقاعد ينتظر على أحر من الجمر وصولها فهو لايسعد بعقد تلك الصفقة كسعادته بوجودها قريبة منه ،لمح دلوف أفراد يمتازون بالطول الفارع والبشرة السوداء الداكنة يولج من خلفهم رجل لايشبههم بشئ فبشرته بيضاء مشرأبة بحمرة خفيفة بملامح وجه وسيمة فتعجب أيسر قليلا فهو كان يظن أن من سيعقد معه الصفقة رجل من جنوب أفريقيا

نهض أيسر من مكانه عندما أقترب منه الرجل يصافحه:
–أهلا دكتور أيسر الرافعى أنا عدنان صفوان

رحب به أيسر يشير إليه بالجلوس:
–اهلا عدنان بيه أنا الصراحة افتكرتك يعنى

ضحك عدنان بعد سماع ما تفوه به أيسر قائلا برزانة:
–علشان أنا مش شبهم يعنى أنا فعلا عايش فى جنوب افريقيا وعندى مناجم ألماس هناك بس أنا أصلى والدى من المغرب وأمى لبنانية من اصول مصرية فعلشان كده بعرف اتكلم مغربى ومصرى ولبنانى وبتكلم لغات كتير جدا اصلى هوايتى أن أتعلم اللغات وكمان بحب دراسات علم النفس يعنى ممكن من قاعدتى معاك أقدر أعرف شخصيتك بالظبط وخصوصاً الألم والوجع اللى فى عينيك ده وده تقريباً بسبب واحدة ست

ضم أيسر حاجبيه بدهشة مما يقوله هذا الرجل فهل هو أحد العرافين ليعلم كل هذا أم أنه علم عنه كل شئ قبل ان يقابله حتى يستطيع ابهاره بحديثه
قبل أن يتمكن من الرد عليه رأى ثراء تولج برفقة شهاب وأمير استشاط منها غضباً فلماذا أتت برفقة ذلك المدعو أمير؟ ولكن تناسى كل ذلك وحملق بها وبثوبها الذى ترتديه فأى لعنة جعلتها ترتدى ثوب كهذا اليوم فهل سيراها الجميع الآن هكذا ؟ فكم يتمنى الآن أن يقوم بسحبها من يدها يعيدها إلى المنزل ولكن ليس أى منزل فسيأخذها معه إلى منزله يحبسها بين جدرانه ولا يدع أحد يتطلع إليها وهى بتلك الطلة الرائعة المبهرة فثوبها بالرغم من احتشامه كعادتها فى إرتداء ثيابها إلا أن هذا الثوب به شئ مميز ربما ينعكس بياض لونه الناصع على بشرتها الناعمة كأنها عروس بليلة زفافها

جلست ثراء قائلة بابتسامة هادئة:
–مساء الخير عليكم أسفة لو كنت أتأخرت عليكم

أومأ عدنان برأسه احتراماً:
–ولا يهمك يا ثراء هانم حضرتك تتأخرى براحتك أنا عارف لما تكون واحدة ست خارجة لازم تكون بيريفكت مراتى دايما كده

تبع حديثه بضحكة عالية شاركه إياها شهاب وأمير وصافى إلا أيسر الذى ما زالت عيناه مسلطة عليها ولكن من حظها العثر هذه الليلة أن تجلس بالمقعد المجاور له مد يده أسفل الطاولة يأسر يدها بين كفه ضغط عليها بغضب فحاولت رسم ابتسامة على وجهها برغم الألم الذى تشعر به بمفاصل أصابعها

أستغل أيسر انشغال عدنان بالحديث مع شهاب فمال على زوجته قائلا بضيق:
–ايه اللى أنتى لبساه ده إيه الفستان ده يا ثراء

نظرت ثراء إلى ثوبها بغرابة من حديثه فما الشئ الخاطئ به؟

ردت عليه قائلة بتساؤل:
–ماله الفستان شايفنى جاية لبسة فستان سهرة ولا لابسة مايوة ،فستان زى اى فستان بلبسه ايه الغلط فيه ثم سيب ايدى هتكسر صوابعى

هتف من بين أسنانه:
–دا أنا نفسى أكسر دماغك يا ثراء

حدقت به تعاتبه عيناها على ما تفوه به إلا أنه أسرع فى الرد عليها يستطرد قائلا:
–حبيبتى أنا مش قصدى كده أنا متغاظ منك بسبب فستانك وكمان جاية وجايبة سى أمير ده معاكى أنتى عايزة تموتينى ناقص عمرك عايزة تجبيلى ذبحة صدرية وترتاحى منى

هتفت ثراء قائلة بسماجة:
–بعد الشر عليك يا حبيبى إن شاء اللى يكرهك بس حرام تزعل الست صافى عليك

لن يمل من مشاكستها وإثارة غضبها فأرخى كفه عن أصابعها قليلاً يتحسس ظاهر يدها بابهامه فظلت تزدرد لعابها بتوتر شديد فماذا يفعل هو الآن ؟ فهى منذ مقابلتها له وهو لا يترك مناسبة إلا وأن يجعلها تخرج من مجابهته وتحديه خاسرة صافرة اليدين

دمدم لها هامساً:
–نور عيون حبيبك أنتى يا ثراء

نهضت من مكانها تعتذر قائلة:
–عن أذنكم دقيقة وراجعة

ذهبت سريعاً إلى الحمام ولجت للداخل وقفت أمام المرآة تلتقط أنفاسها تهمس بداخلها بغيظ:
–الله يسامحك يا أيسر

حاولت لملمة شتات نفسها التى تبعثرت بعد همسه لها وملاطفته إياها بألفاظه التحبُبية بعد عدة دقائق عادت إلى الطاولة مرة أخرى وجدت صافى منهمكة بحديثها معه فأقتربت قائلة بابتسامة خفيفة:
–أسفة لو كنت أتاخرت مش هنوقع ورق الصفقة أصل مرتبطة بمواعيد تانية أنا اسفة يا عدنان بيه أصل النهاردة اليوم مشحون جدا بعتذرلك

رد عدنان قائلا بهدوء:
–ولا يهمك ثراء هانم الورق جاهز وكل شئ جاهز

تم توقيع العقود وتمت الصفقة بنجاح لم تنتظر ثراء لتناول العشاء فذهبت برفقة شهاب وأمير ولكن أيسر لم يجد عذر يقوله لمضيفه لينصرف هو أيضاً فتمنى أن ينتهى العشاء سريعاً فهو يكاد أن يفقد صوابه من أفعال زوجته تناول أيسر العشاء برفقة عدنان وصافى ظل ينظر بساعة يده حتى أعلن عدنان عن ضرورة أنصرافه قائلا بلباقة:
–دكتور أيسر أشوفك بخير لازم أمشى لأن زمان مراتى مستنيانى وهتعملى مشكلة لو أتأخرت

تبع حديثه بضحكة خفيفة فنهض أيسر يصافحه قبل أنصرافه:
–مع السلامة عدنان بيه أتشرفت بمعرفتك

رحل عدنان مع حراسه أراد أيسر اللحاق بثراء إلا أنه تذكر أن صافى مازالت جالسة فأشار إليها بالنهوض:
–يلا يا صافى علشان أوصلك البيت وكمان علشان ورايا مشوار مهم جدا

أخذت صافى حقيبتها وصلت الى سيارته تتأخذ مكانها بالمقعد المجاور له قائلة:
–أيسر هى ايه حكاية ثراء الرافعى دى هى تبقى بنت عمك صح

رد أيسر قائلا بعشق:
–متبقاش بنت عمى بس وتبقى مراتى كمان حبيبتى ونور عيونى

كأنه تناسى أنه يحدث صافى فأطلق العنان لنفسه يستطرد قائلا بحنين:
–ثراء دى الحاجة الوحيدة الحلوة اللى فى حياتى الأمل اللى أنا عايش بيه

أتسعت حدقتيها مما تسمعه إلا أن ثغرها أفتر عن إبتسامة خفيفة قائلة:
–بجد هى دى مراتك يا أيسر بس ليه مش عايشة معاك فى بيتك
فهل ثراء زوجته التى أخبرها أنها هجرته طوال تلك الأعوام السابقة؟ ولكنها عادت الآن فعلمت كيف تبدلت ملامح الحزن والأسى التى كانت تراها دائما على وجهه وحل مكانها السعادة فهو سعيد بعودتها لمصر فصوته ملائه الحنين وهو يذكرها وعيناه زاد بريقها برؤياها

غامت عيناه بحزن طفيف قائلاً:
–علشان مش عايزة تسامحنى مفكرانى أن بكدب عليها وخصوصا فى موضوع مساعدتى ليكى

ضمت صافى حاجبيها قائلة بتفكير:
–هى برضه معذورة ممكن تكون بتغيير عليك بس ليه مقولتلهاش أن انا متجوزة يا أيسر

إبتسم أيسر قائلا بثقل:
–بقولك رافضة تسمعنى مفكرة أن فى حاجة بينى وبينك ومتعرفش أن أنا اصلا كنت وكيلك فى جوازك ومفكرة أن موضوع أنك مديرة أعمالى حجة منى علشان تبقى قريبة منى

شعرت صافى بالأسى لرنة صوته المتعبة فهى علمت الآن أنها ربما تسبب فى إيذاءه وهدم حياته عندما تركته زوجته منذ سنوات ولكنها أيقنت أن قلبه مازال ينبض بعشقها لذلك تحولت نظرتها إليه فهى لا تكن له سوى محبة الأشقاء فهو من ساعدها هى وجدتها حتى عندما تقدم لها زوجها كان هو وكيلها بعقد القران

فكرت صافى أنها ربما تساعده:
–طب ممكن أروح أنا اقولها كل حاجة واقولها أن مفيش أى حاجة بينا وأنا أساساً كنت الشهر ده خلاص هسافر لجوزى حمزة هو حتى أتصل عليا وقالى البيت خلاص جاهز وكل حاجة بقت جاهزة فاضل بس اسافرله أنا وتيتة

إبتسم أيسر قائلا بمزاح:
–طب الحمد لله دا أنتى قربتى تخللى بقالكم أكتر من سنة كاتبين كتابكم

بادلته صافى الابتسام قائلة:
–أعمل إيه مصر أنه يكمل حياته هناك فى دبى ومش عايز يرجع مصر يعنى الإجازة اللى نزلها كانت كام يوم ورجع تانى علشان شغله وأنا عارفة أن تقلت عليك كتير ورخمت عليك كتير برضه بس أعمل إيه حظك بقى إن مليش أخوات وأنت طلعت فى طريقى

ضحكت صافى فشاركها أيسر الضحك بالرغم مما يشعر به من تعب وإنهاك فرد قائلاً:
–أنا قولتلك يا صافى أنتى مسئولة منى والحمد لله خلاص قريب وتروحى لجوزك ربنا يسعدك يارب

نظرت إليه صافى قائلة بامتنان:
–أنا مش هقدر أوفى جميلك يا أيسر وعلى اللى عملته معايا أنا وجدتى وأتمنى أمورك تتصلح مع مراتك وترجعلك لأنها مش هتلاقى فى شهامتك وكرم أخلاقك أبدا

ظلت صامتة حتى وصلا إلى المنزل ترجلت من السيارة تغلق بابها تسرع الخطى فى الصعود إلى الشقة

فأنطلق أيسر بالسيارة حتى وصل إلى منزل عمه جمال قبل أن يترجل من السيارة لمح قدوم سيارتها تتبعها سيارة أمير

ترجل أمير من السيارة وأقترب منها نظرت له ثراء من نافذة السيارة بجوارها فابتسمت له قائلة:
–تصبح على خير يا أمير معلش عذبتك معايا النهاردة

رد أمير قائلا بسعادة:
–متقوليش كده يا ثراء أنتى تؤمرى تصبحى على خير

عاد أمير إلى سيارته ينطلق بها ضغطت ثراء على الجهاز الصغير بيدها لتفتح البوابة الرئيسية أكملت طريقها للداخل وصلت إلى مرآب السيارات فترجلت من السيارة وأخذت الحقائب التى تحوى بداخلها على دمى وألعاب من أجل مليكة وريان أغلقت الباب ولكن عندما استدارت أصطتدمت بجسد خلفها فشهقت برعب ولكن قبل أن تصرخ
وضع أيسر يده على فمها ليمنع صراخها قائلا بهدوء:
–هشششش أهدى يا ثراء أنا أيسر

أزاحت يده عن فمها تطالعه بغضب:
–أنت دخلت إزاى وجاى ليه يا أيسر عايز منى إيه

زجرها بنظرة غاضبة قائلا من بين أسنانه:
–أنتى إيه حكايتك وكنتى فين ده كله أنتى مشيتى بدرى ومرضتيش تحضرى العشا كنتى فين يا ثراء وايه اللى خلاكى تجيبى أمير ده معاكى وكمان دلوقتى راجعة وهو جاى وراكى بعربيته كنتى فين ردى علياااا

صرخ بوجهها غير أبه بأنه من الممكن أن يسمع أحد صوت صراخه لم ترد على حديثه بل أنحنت لتلملم تلك الحقائب التى تناثرت على الأرضية أستشاط منها غضباً فانحنى إليها يلقى بما تحمله بيدها هادراً بصوت عالى:
–أنا مش بكلمك ردى عليا

استقامت ثراء بوقفتها تلقى هى بالحقائب تلك المرة فهى وصلت لحافة صبرها قامت بدفعه بصدره حتى كاد أن يترنح بوقفته:
– أنا مجبتوش معايا أنا أتفاجئت بيه قدام المطعم لما وصلت أنا وشهاب وخرجت من المطعم روحت أشترى لعب لمليكة وريان ثم أنت عايز منى أيه أبعد عن طريقى بقى وقولتلك طلقنى خلينى أرتاح منك

قبض على رأسها بين كفيه يحنيه للخلف ليستطيع النظر بعينيها ومازالت عيناه كفيض من عذاب أرادت الفكاك من بين يديه فاصطتدمت بسيارة خلفها اقترب منها رفع يده يتلمس وجنتها فضربته بخفة على كف يده قائلة بغيظ:
–شيل إيدك عنى

ربما هى على إصرار أن تصل به إلى أقصى درجات الجنون ،لم يمهلها دقيقة واحدة لتعى ما يفعله فسحب حجابها من على رأسها فهو يريد رؤية شعرها ذو الخصلات الفحمية الذى يشبه الليل الساحر ونعومته التى تشبه الحرير تهدلت خصلات شعرها على جانبى وجهها وعيناها مازالت تلتمع كقطة صغيرة ،قبض على شعرها بين كفه يتحسسه بأصابعه فأقترب أكثر منها يشتم رائحته العطرة أرادت إبعاده عنها وجدته يزأر بشوق بالغ لا تعلم ذلك الخوف الذى تسرب إليها من تلك الحالة الجنونية التى رأته بها اليوم

فهتفت بصوت خافت :
–أيسر أبعد ويلا أمشى من هنا

غرز أصابعه بين طيات شعرها يرفع وجهها إليه يحدجها بنظرات عاشقة فهتف بصوت مثقل بالغرام:
–أنتى عايزة تعملى فيا إيه تانى يا ثراء أنتى بعدتى عنى وهجرتينى دفعت حتى تمن غلطات لسه معملتهاش ببعددك عنى السنين دى كلها ردى عليا عايزة توصلينى لإيه

شعرت بالخدر من قربه منها فحواسها بأكملها بحالة سكون غير قلبها العاصف الذى تعالت صوت دقاته يكاد يسمعها هو فربما سيعانقها فأغمضت عينيها تهيأ نفسها لحالة جديدة من حالات جنونه الطارئ فلم يخيب رجاء قلبه الناشد قربها ولكن عناقه تلك المرة هادئ أشبه ببتلات الورد الناعمة التى تلامس وجنتيها تنهدت بضعف لذيذ كأنها راغبة في المزيد أبتسم على فعلتها فظل يداعب وجنتيها حتى فتحت عينيها رويداً رويداً

أردف بصوت هامس:
–ثراء تعالى عيشى معايا أنا بنيتلك البيت اللى كنتى عيزاه وعملت فيه كل اللى أنتى كنتى بتتمنيه وحلمتى بيه

دمعت عيناها قائلة :
–أنت هدمتلى أحلامى يا أيسر مبقاش عندى أحلام لأن اللى قعدت ارسمه فى خيالى صحيت منه على كابوس كل ما أحاول أقنع نفسى بأن أنسى مبقدرش كل ما أفتكر أن أنا كنت جمبك وفى حضنك وأنت بتخدعنى وتضحك عليا ،كنت بحلم باليوم اللى أخلف فيه طفل منك ولما أروح للدكتورة تقولى أنت بنت عذراء يا ثراء تفتكر كانت حالتى ايه وقتها، لما قعدت أكدب نفسى وأقول الدكتورة غلطانة وأروح لأكتر من دكتورة وهو نفس الكلام ،لما ألاقى فى هدومك برشام الهلاوس حتى أنت مأنكرتش أنك كنت بتحطلى منوم علشان ميحصلش حاجة بينا ومبقاش مراتك بجد ،لما أبقى مستأمناك وألاقيك حولت كل الأملاك بتاعتى بأسمك ومبقاش حيلتى حاجة حتى لو كنت عملت ده بدافع الانتقام، لما أروح شقتك والاقيك خارج من الحمام وهى بتقولك يلا عملتلك تاكل وأنت مخبى عليا أن فى واحدة قاعدة فى شقتك حتى لو بالفرض أنك بتقول بتساعدها هى وجدتها كنت تقولى وتعرفى مش تسيبنى على عمايا حتى يوم فرح حسام متكسفتش وجبتها معاك الفرح حب ايه اللى بتحبهولى ده يا أيسر وأنت كل أفعالك ميعملهاش حد عدوى حتى، أنا زمان كنت بس بتمنى منك كلمة حلوة كنت لما بتقولى بحبك كنت ببقى طايرة من كتر الفرحة لما كتبنا كتابنا وبقيت مراتك مكنتش مصدقة أن خلاص أمنيتى أتحققت وخلاص هبقى ملك الإنسان الوحيد اللى حبيته ومكنتش شايفه غيره فى دنيتى بالرغم من أنك شوفت أمير كان بس بيتمنى منى نظرة رضا ولحد دلوقتى وياريتنى ما كنت مشيت ورا قلبى اللى ضيعنى

وضعت يدها على فمها ودموعها تجرى على وجنتيها بغزارة فجرحها الذى ظنت أنه ألتئم عاد اليوم ينزف من جديد مد يده يمسح دموعها

أخذها بين ذراعيه يطوقها بحنان قائلاً:
–سامحينى يا نور عيونى على أى حاجة وجعتك بس وغلاوتك أنتى عندى ما عملت أى حاجة من دى بسوء نية وبرشام الهلاوس جيسكا اعترفت أن هى اللى دفعت لحد من الشغالين وبدلته والأملاك أنا فعلا حولتها باسمى لانها كانت ممكن تضيع منك يا ثراء لأن البنك اللى بتتعاملوا معاه كان عمك عزام واخد قرض كبير علشان الصفقة اللى كان هيعملها فمدير البنك حط شرط أن الضامن للقرض نصيبك أنتى لأنه تقريبا هو الجزء الأغلى فى مجموعة الشركات فلو الصفقة كانت خسرت كانت كل حاجة هتضيع فحولتها باسمى علشان عمك ميقدرش يوافق بالتوكيل اللى معاه منك والله هى دى الحقيقة وكنت ناوى أقولك على كل حاجة بس ملحقتش وبالنسبة لصافى زى ما قولتلك مساعدة منى علشان هم ملهمش حد وصافى أصلاً متجوزة يا ثراء

رفعت رأسها تحدق بوجهه قائلة:
–كنت تقولى وتعرفنى يا أيسر ده كله ميبررش أنك كنت حابب تنتقم وواخدنى أنا وسيلة علشان تدخل القصر زى ما قولت الكلمة دى وجعتنى أوى لما أحس أن كل أهميتى فى حياتك أنك بس تاخد حقك من غير ما تفكر فى مشاعرى بس أنا اللى كنت فعلا مغفلة لما مشيت ورا قلبى فخلاص يا أيسر حاول تبعد عنى وسبنى بقى أعيش حياتى بالطريقة اللى أنا عيزاها أنا لحد النهاردة احترمت أن أنا مراتك وشايلة أسمك فياريت تحلنى بقى من ارتباطى بيك وده أخر كلام عندى

أخذت حجابها والحقائب وركضت لداخل المنزل وهى مازالت تشعر بالدموع الساخنة التى ألهبت جفونها ظل مكانه لايعلم أى طريق يسلك حتى يزيح ضيقها وحزنها الذى اعتمل بوجدانها فهو يشعر بما تعانيه من حيرة وضياع فهو ليس بذلك الأحمق حتى لايستطيع رؤية ذلك الشوق بداخل عينيها إليه ولكنها كمن تقف بمنتصف طريق تخشى أن تخطى خطوة للأمام فتعود لانكسارها وتخشى أن يظل عقلها يلومها على أنصياعها لذلك الغرام الذى سكن بين ثناياها إذا صدر منه شئ يؤلمها ثانية،زفر بقلة حيلة يغزو اليأس نفسه ثانية فماذا يفعل هو حتى يتخلص من كل ما اعتراه من أوجاع وألام؟ فلو بمقدوره كان أنهى حياته بيده ولكن روحه ملك لله فلن يستطيع أن يعيش بدنياه مقهوراً ويفعل ذلك ليلقى عذاب الله بالآخرة
_______
جلس عزام بحديقة القصر يطالع الجريدة اليومية خفضها من أمام عيناه بعد أن تناهى إلى سمعه صوت خطوات تقترب منه دقق النظر بتلك القادمة تجاهه ولم تكن سوى لبنى زوجته ترتدى ملابس سوداء تضع نظارة شمسية كبيرة على وجهها ووشاح أسود بمنتصف رأسها كأنها أتية للتو من طقس جنائزى أقتربت منه تسحب نظارتها

هتفت قائلة بصوت شابه الحزن:
–أزيك يا عزام

قطب عزام حاجبيه من رؤية ملامح الحزن التى ارتسمت على وجهها فتلك التجاعيد حول عينيها بدت أكثر ظهوراً وخصلات شعرها البيضاء التى خالطت رأسها فمن يراها لا يصدق أن تلك المرأة هى لبنى التى كانت تعتد بجمالها وتحافظ عليه بكل وسيلة

أشار إليها عزام بالجلوس:
–أتفضلى يا لبنى خير مالك فى ايه ولابسة أسود ليه كده

جلست لبنى على المقعد المقابل له اخرجت محرمة ورقية تجفف بها دموعها قائلة بصوت باكى:
–أختى ماتت يا عزام

شعر عزام بالأسف بعد سماعه ذلك منها فأردف :
–البقاء لله يالبنى الله يرحمها

انهمرت دموعها غزيرة على وجنتيها صارت شهقاتها تعلو أكثر فأكثر فهى لم يكن لديها سوى شقيقة واحدة والتى توفت مؤخراً

مد عزام يده يربت على يدها الموضوعة على الطاولة التى تفصل بينهم قائلا بهدوء:
–وحدى الله يا لبنى

ردت لبنى قائلة:
–ونعم بالله أنا كنت جاية أشوفك أنت وشهاب هو فين

–شهاب فى الشركة مش هنا
قالها عزام وهو يناولها كوب الماء لترتشف منه لعلها تهدأ قليلاً

أخذت منه الكوب أرتشفت بضع قطرات وأعادته مكانه ثانية لا تعرف ماذا تفعل هى الآن؟ فهى لم يعد لديها مكان يأويها ولكن حاولت الحفاظ على كرامتها فنهضت من على المقعد قائلة:
–أنا همشى دلوقتى يا عزام

رد عزام قائلا بهدوء:
–هتروحى فين يا لبنى أظن دلوقتى مفيش مكان تروحيه بس الظاهر أنك ناسية أنك لسه مراتى ومن حقك ترجعى القصر تانى

لم تجد ما تقوله فهو علم بما يدور بخلدها قبل أن تتفوه به فحاول أن يرفع عنها الحرج قائلا:
–فين الشنط بتاعتك وأخلى حد من الشغالين يطلعها أوضتك خلاص يا لبنى مبقاش فى العمر قد اللى راح واحنا الاتنين غلطنا خلينا نساعد بعض نكفر عن اللى عملناه

لم تتصور أن يقبل بعودتها إليه هكذا سريعاً ولكن ربما هو محق فلم يتبقى من العمر الكثير فلتحاول أن تكون أيامها القادمة أفضل مما سبقت،صعدت إلى غرفتها بعد وضع احدى الخادمات لحقائبها بالغرفة ظلت تنظر للغرفة بحنين تغشى عينيها جلست على الفراش تستند برأسها على الوسائد وهى مازالت باكية فالحياة أقصر مما تظن فشقيقتها قد توفت بلمح البصر فتذكرت مشهد موتها فهن كن يجلسن يضحكن ويثرثرن كالعادة ليداهم شقيقتها ألم بالصدر ولم تمر دقائق حتى وجدتها فاقدة الحياة وصعدت روحها إلى بارئها،ظلت تبكى حتى غلبها النعاس وهى جالسة مكانها
بمنزل جمال الرافعى
بعد مهاتفة شقيقها شهاب لها وعلمها بعودة والداتها إلى القصر مرة أخرى بعد وفاة خالتها لم تتردد ميرا ثانية واحدة وارتدت ثيابها وجهزت طفلها أيضاً لاخذه معها فوالداتها لم ترى ريان سوى مرة او مرتان بعد ولادته

ولج حسام الغرفة قطب جبينه قائلا بغرابة:
–أنتى لابسة وراحة فين دلوقتى يا ميرا أنتى وريان

أستقامت ميرا بوقفتها بعد أن كانت جالسة تنتعل حذائها قائلة:
–شهاب كلمنى يا حسام وقالى ماما رجعت البيت النهاردة الصبح ونفسيتها تعبانة بعد ما خالتو ماتت فعايزة أروح أشوفها

أومأ حسام برأسه موافقاً فشرع فى خلع قميصه فنظرت إليه ميرا قليلاً قبل أن تقول بحذر:
–حسام مش هتيجى معايا

ألتفت إليها حسام صمت قليلا إلا أنه قال بهدوء:
–حاضر يا ميرا هاجى معاكى ولو انك عارفة أمك مش بتسكت لم بتشوف وشى

أفلتت ابتسامة صغيرة من بين شفتيها عندما رأها حسام أقترب منها يطالعها بحب:
–يعنى حبكت تبتسمى واحنا خارجين يا مهلبية

علمت ما ينوى فعله وما تخفى خلفها تلك النظرة والابتسامة فاسرعت الخطى تجاه الباب قائلة :
–هستناك تحت أنا وريان بسرعة بقى

زفر بغيظ من هروبها من أمامه فذهب لارتداء ثيابه وبعد انتهاءه اخذ زوجته وطفله بالسيارة للتوجه إلى قصر الرافعى
وصلا إلى المنزل ترجلوا من السيارة فذهبت ميرا راساً إلى غرفة والداتها فوجدتها تجلس بالفراش حزينة ملامح وجهها ذابلة كأنها ليست تلك والداتها التى كانت على عهدها معها دائما بالأناقة والجمال

أقتربت ميرا بلهفة منها تحتضنها قائلة :
–ماما حمد الله على السلامة وألف سلامة عليكى

طوقت لبنى إبنتها بحنان تهتف بصوت تخلله الحزن:
–الحمد لله أنتى عاملة إية يا حبيبتى وحشتينى أوى يا ميرا سامحينى يا حبيبتى

ذرفت لبنى دموع الندم على أعوام قضتها تاركة أولادها فهى لم تتركهم بالأعوام الفائتة فقط ولكن منذ كانوا صغاراً لم تهتم بهم كأم فهى أنغمست بحياتها الرغيدة تاركة خلفها أبناء كن بحاجة للحب والحنان

طرقات مهذبة على الباب خرجت لبنى من أفكارها نظرت للطارق فلم يكن سوى زوج ابنتها وبيده طفله

حمحم حسام قائلا بتهذيب:
–ممكن أدخل

نهضت ميرا من على الفراش بجوار والداتها تقترب منه قائلة بابتسامة:
–تعال يا حبيبى تعال يا ريان سلم على تيتة

ركض الصغير إلى فراش جدته فرفعته بين ذراعيها تقبله تمسد على رأسه تعدل من خصلات شعره الأشقر الحريرى الذى يشبه شعر ميرا ،رفعت لبنى وجهها بعد تقبيل رأس ريان تنظر لحسام:
–هو ريان طالع شبهك أنت ومش شبه ميرا ليه

رفع حسام حاجبه فها هى لبنى تعود من جديد ولكنه لم يعقب بقسوة بل هتف ممازحاً:
–أصل بنتك بتحبنى وبتموت فيا يا حماتى علشان كده ريان طالع شبهى نورتى مصر يا حماتى

كممت لبنى فمها بيدها تمنع ضحكتها من مزاح زوج ابنتها فهى لا تفعل ذلك إلى رغبة منها فى رؤية غضبه حتى يناديها بتلك الكلمة ” حماتى” رأها حسام فلم يمنع ضحكته هو الآخر لتشاركه ميرا فمن أجل زوجته سيتقبل ما تفعله تلك السيدة الارستقراطية التى تبدلت طباعها بشكل طفيف ولكنها لن تتخلص منها دفعة واحدة فلكل شئ وقته
_________
أعدت ضحى طعام الإفطار ووضعته على المائدة ثم ولجت غرفة والدها تناديه بصوتها الرقيق:
–بابا بابا يلا علشان نفطر قبل ما انزل

نهض منير من مكانه فاقتربت منه يستند على يدها قائلا بابتسامة:
–أبوكى عجز أوى يا ضحى يلا حسن الختام

ربتت ضحى على يده قبل أن ترفعها لشفتيها تقبلها بحب:
–متقولش كده يا بابا ربنا يباركلى فيك ثم عجزت ايه دا انا بفكر اشوفلك عروسة

أرتد رأس منير ضاحكا على مزحة ابنته:
–أتجوز تانى يا ضحى حرام وتوبة ثم أنا اللى عايز أفرح بيكى يا حبيبتى قبل ربنا ما ياخد أمانته أنتى ليه رافضة الجواز لدلوقتى يا بنتى

–لسه النصيب مجاش يا بابا
قالتها ضحى وهى تسحب مقعد والدها ليجلس عليه وجلست بالمقعد المجاور بدأت بتناول الطعام وهى شاردة تسأل نفسها لماذا هى حقاً رافضة الزواج حتى الآن؟ هل بسبب أن احدى دقات قلبها هتفت بإسم أحد قبل سنوات؟
نفضت رأسها سريعاً فما تلك السخافة التى تفكر بها فهى لم تتزوج لأنها لم تجد زوجاً يناسبها،أنتهت من تناول فطورها وارتدت ثيابها وأخذت سيارتها حتى وصلت للمتجر الخاص بها

جلس بسيارته يراقب حضورها فما تلك الافعال الصبيانية التى يفعلها فهو يجلس بالسيارة فى انتظار مجيئها ليراها فمنذ مجيئه إلى متجرها أول مرة وهو يأتى ليراها صباحاً ومساءاً كأنها ألقت عليه تعويذة بأن يتبعها بكل مكان

ركنت ضحى سيارتها أمام المتجر ولجت للداخل وجدت الفتاة التى تعمل معها سبقتها فى فتح المتجر وتنسيق كل شئ ذهبت إلى الغرفة التى تنهى بها تصميماتها وعندما بدأت فى رسم تصميمات الثياب الجديدة التى ترغب فى حياكتها سمعت طرق على باب الغرفة فأذنت للطارق بالدخول فقالت بدون أن تلتفت للخلف:
–أيوة فى ايه فى زبونة جت دلوقتى بس جت على الصبح كده لو كده خليها تدخل

سمعت صوت رجولى يحمحم فاستدارت سريعاً فوجدت شهاب يقف على الباب كادت تسقط من على ذلك المقعد الطويل الذى كانت تجلس عليه أمام تلك اللوحة التى ترسم عليها

هتفت بتلعثم:
–أاايوة يا أستاذ شهاب خير فى حاجة جاى ليه

وضع شهاب يده بجيب معطفه قائلا بابتسامة:
–مش هتقوليلى أتفضل

انزعجت ضحى من رعونة تصرفها وحديثها فحاولت إضفاء نبرة هادئة على صوتها:
–أه اسفة اتفضل حضرتك

دلف شهاب وجلس على المقعد أمام المكتب ظلت واقفة تقبض على ثيابها بكفها تشعر بتوتر خانق وبشئ يقبض على معدتها مسببا لها ألما من كثرة القلق والتوتر الذى أصابها منذ رؤيته

–تحب تشرب ايه حضرتك
هتفت بها ضحى وهى تتجه صوب الباب لتنادى الفتاة بالخارج

رد شهاب قائلا:
–ممكن فنجان قهوة مظبوط

أخبرت ضحى الفتاة بضرورة إعداد فنجان من القهوة للضيف بالداخل ثم عادت وجلست على مقعدها خلف المكتب الصغير الذى تناثرت عليه أوراق بيضاء وأوراق خاصة بالتصميمات وبعض قطع القماش فالمكتب بحالة مزرية حاولت تنسيق الاوراق حتى تتجنب النظر إليه فهو يجلس صامتاً وهى لاتجد ما تقوله دلفت الفتاة بالقهوة اخذها شهاب شاكراً إياها ظل يحتسيها ببطئ مميت كأنه يتلذذ بزيادة توترها

رفع رأسه يحدق بها صامتاً إلا أنه استطاع الكلام بالاخير:
–أنا أسف لو كنت جيت بدرى كده

أنفرجت شفتيها بابتسامة مهذبة:
–ولا يهمك حضرتك تشرف فى أى وقت بس حضرتك جيت عايز فستان تانى

–لاء كنت عايز أشوفك يا ضحى ومش عارف ليه
قالها شهاب كأن لسانه أنفلت عقاله ولم يعد لديه سيطرة عليه

حملقت به ضحى بدهشة تزدرد لعابها مرة تلو الأخرى مما سمعته منه عندما حاولت الكلام شعر بثقل الكلمات على لسانها:
–ححضرتك إيه اللى بتقوله ده

حرك شهاب رأسه أسفاً على ما تفوه به والذى يبدو عليها الضيق مما سمعته منه
–أنا بجد أسف لو كنت ضايقتك بكلامك أنا همشى حالا عن أذنك

لم يتردد شهاب دقيقة واحدة فى الخروج من المتجر وصل إلى سيارته يدمدم لنفسه بغيظ مما فعله:
–ايه اللى عملته ده أما أنا واحد غبى بجد

أنطلق بالسيارة وقفت ضحى أمام النافذة تراه يرحل بسيارته عقدت ذراعيها وهى تبتسم لنفسها على ما فعله ولكنها عادت لما كانت تفعله ولكن ظل ذهنها مشغولا بما حدث
وصل شهاب إلى الشركة فحتى لم يلمح تلك الفتاة الواقفة بانتظاره فولج لمكتبه صافقاً الباب خلفه فارتعدت تمارا من صوت إغلاق الباب

زمت شفتيها قائلة بامتعاض:
–ايه يا أختى ده جاى زى القطر حتى مشافش أن أنا واقفة مستنياه دا النهاردة أول يوم شغل يعنى أنا ايه اللى خلانى أوافق على ده كله

أرادت أن تعود من حيث أتت الا أنها سمعت صوت فتح الباب خلفها أستدارت لترى ما سيحدث فرأت شهاب واقفاً على الباب حدق بها بعبوس قائلا:
–أنتى يا أنسة مش المفروض كنتى تيجى من بدرى تستلمى الشغل واقفة عندك تعملى ايه

ضمت تمارا يدها بأدب جم تحاول ان تخرج كلماتها بتهذيب فكم ترغب هى فى لعنه بألفاظ ربما تصيبه بالصدمة:
–أنا جيت أهو تحت أمرك يا شهاب بيه

–تعالى ورايا
قالها شهاب وهو يسبقها إلى الداخل ولجت تمارا خلفه أشار اليها بالجلوس وبكتابة كل ما سيمليه عليها من مهام أخذت ورقة بيضاء وقلم ظلت تنصت إليه وتدون ما يقول حتى ملأت الصفحة بأكملها وكل مهمة مطلوبة منها تجعلها تحملق بالورقة وعيناها متسعة فربما ستعود اليوم إلى المنزل وهى لا تستطيع الوقوف على قدميها أو أن ترى ما أمامها
_________
وصل أيسر إلى منزل عمه جمال باكراً فهو يريد أن يرى ثراء قبل خروجها وأيضاً اليوم أول يوم عمل له كحارس لمليكة،ولج للداخل يقف برسمية رأته فيروز ضمت حاجبيها بغرابة قائلة:
–أيسر أنت بتعمل إيه هنا وعلى الصبح كده

لم تخبر ثراء والدايها عن مقابلة أيسر ثانية فهى حتى غفلت عن أخبارهم بشأن عمله حارساً لمليكة

رد أيسر قائلا بهدوء:
–حضرتك أنا هنا علشان أنا الحارس الشخصى لمليكة

أتسع بؤبؤ عينيها بعد ما سمعته منه ،فأى هراء يقوله هو الآن؟

–أنت جاى تهزر على الصبح يا أيسر
قالتها فيروز وملامحها أصابها الغضب والعبوس إلا أنها رأت ابنتها تهبط الدرج بتأنى برفقة مليكة

أقتربت ثراء من فيروز وعيناها تطالع ذلك الذى يراقبها بتحدى ناولته ورقة مدون بها المواعيد الخاصة بالصغيرة
–دى مواعيد مليكة النهاردة عايزة عينيك عليها ومتغبش عنك هى شقية وممكن تضر نفسها بس لو رجعت فى خدش صغير فيها متورنيش وشك بكرة

قالتها بتحدى سافر قابله هو ببرود كأنه عاد أيسر الذى كانت تغتاظ من بروده وعدم أكتراثه بما يجرى حوله

انحنى يحمل الصغيرة قائلا ببرود:
–أوامرك يا ثراء هانم أظن حضرتك عارفة أن كويس فى شغل الحراسة ولا نسيتى

أصبح الموقف لا يحتمل فصرخت بهم فيروز قائلة بصوت هادر:
–أنا عايزة أعرف بالظبط ايه اللى بيحصل يا ثراء

أخذ أيسر الصغيرة وخرج من المنزل استدارت ثراء لوالداتها تروى لها ما حدث منذ ذهابها لشركة الحراسة الخاصة بأيسر لتحديه لها على أن يكون الحارس لمليكة

جلست فيروز على الأريكة تزفر بضيق:
–يعنى أنتى فضلتى ده كله بعيد عنه ودلوقتى جبتيه لحد البيت تفتكرى هو هيسكت يا ثراء

جلست ثراء بجانب والداتها قائلة بعنفوان:
–مش هيقدر يعمل حاجة وأنا هعرف اوقفه عند حده لو فكر يعمل حاجة متخافيش يا ماما

لم تقتنع فيروز بحرف واحد مما اخبرتها به ابنتها فهى كانت تعلم مدى عشق إبنتها له ولكن لم تشأ ان تجادلها فتركتها تفعل ماتريد

وضع أيسر مليكة بالسيارة بالمقعد المجاور له نظر للورقة التى أعطته إياها ثراء فعلم أن عليه الذهاب بها للنادى من أجل تدريب السباحة الخاص بها فأنطلق بالسيارة ينظر للصغيرة بين الفنية والأخرى يبتسم لها

حدقت به مليكة بابتسامة قائلة بتساؤل:
–أنت أسمك إيه يا عمو

ابتسم لها قائلا:
–أسمى أيسر

عقدت الصغيرة حاجبيها فتعجب أيسر من فعلتها فسألها ممازحاً:
–إيه أسمى وحش يا مليكة

حركت مليكة رأسها نفياً قائلة:
–لاء يا عمو بس أسمك زى أسم بابا

أوقف أيسر محرك السيارة فجأة ففزعت الصغيرة وشهقت برعب قائلة:
–إيه يا عمو فى إيه

إستدار أيسر إليها يحملق بها باهتمام وضع شعرها خلف أذنها يحيط وجهها بين كفيه قائلا :
–مليكة أنتى بتقولى أسم باباكى زى أسمى بس مش أنتى بتقولى لأمير بابا

أنتظر ردها عليه ودقات قلبه تكاد تنفذ من بين ضلوعه
فأبتسمت مليكة قائلة ببراءة:
–أنا بقول لأمير يا بابى بس هو مش بابا أنا عارفة أنه مش بابا علشان ماما قالتلى بابا مسافر وأنا كنت عايزة أقول بابى زى أصحابى فقولت بابى لبابا أمير

أذدرد أيسر لعابه عدة مرات قبل أن يقول:
–وأنتى أسمك إيه بالكامل يا مليكة

ردت مليكة قائلة بجدية:
–أسمى مليكة أيسر هاشم الرافعى

أتسعت حدقتيه حتى كادت عيناه تخرج من محجرهمها فما الذى سمعه الآن؟ هل تلك الصغيرة أبنته حقاً ؟ ولكن كيف حدث ذلك؟ فهو يتذكر أنه لم يأخذ من ثراء حقوق الزوج فعلاقتهم أقتصرت على بعض العناقات فهو من كان يضع لها أقراص المنوم بيده فى مشروبها ولم يكن يغفو حتى يتأكد من غرقها بسباتها،تكاثرت الأسئلة برأسه كوحش مفترس على وشك أفتراس عقله


 يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى